عرّج على الدارسة القَفر   ومُر دموع العين أن تجري
فلو نهيت الدمع عن سَحّه   والدار وحش لم تطع أمري
منزلة أسلمها للبلى   «عَبرُ» هبوب الريح والقطر
فجِعتُ في ظلمائها عنوةً   بطلعة الشمس أو البدر
لهفان لا من حرّ جمرِ الجوى   سكران لا من نشوَة الخمر
كأنني في جاحمٍ من شجىً   ومن دموع العين في بحر
عُجتُ بها أُنفقُ في آيها   ما كان مذخوراً من الصبر
في فتيةٍ طارت بأوطارهم   «في ذيلهم» أجنحةُ الدهر
ضيموا وسُقّوا في عِراض الأذى   ما شاءت الأعداء من مُرّ
كلّ خميص البطن بادي الطوى   ممتلئ الجلد من الضر
يَبري لِحا صَعدته عامداً   بَريَ العَصا من كان لا يبري
كأنّه من طول أحزانه   يُساق من امنٍ إلى حِذر
أو مفرد أبعده أهله   عن حَيّه من شفق العُر (1)
يا صاحبي في قعر مطويةٍ   لو كان يرضى لي بالقعر
أما تراني بين أيدي العدا   ملآن من غيظ ومن وتر
تسرى إلى جلدي رقش لهم   والشر في ظلمائها يسري
مردّد في كل مكروهةٍ   أنقلٌ من نابٍ إلى ظفر
كأنني نصل بلا مقبض   أو طائر ظل بلا وكر
بالدار ظلماً غير سكانها   وقد قرى من لم يكن يَقري
والسرح يرعى في حميم الحمى   ما شاء من أوراقه الخضر
وقد خبالي الجمرَ في طيّه   لوامعٌ ينذرن بالجمر
لا تبك إن أنت بكيت الهدى   إلا على قاصمة الظهر
وأبكِ حسيناً والأولى صرّعوا   أمامَه سطراً إلى سطر
ذاقوا الردى من بعد ما ذوقوا   أمثاله بالبيض والسُمر
قتل وأسر بأبي منكم   مَن نيل بالقتل وبالأسر
فقل لقومٍ جئتهم دارهم   على مواعيدٍ من النصر
قروكم لمّا حللتم بها   ولا قرى أوعيةَ الغدر
وأطرحوا النهج ولم يَحلفوا   بما لكم في محكم الذكر
واستلبوا إرثكم منكم   من غير حقٍ بيد القسر
كسرتم الدين ولم تعلموا   وكسرة الدين بلا جبر
فيالها مظلمةً أو لجت   على رسول الله في القبر
كانه ما فك أعناقكم   بكفه من ربقِ الكفر !
ولا كساكم بعد أن كنتم   بلا رياشٍ حِبرَ الفخر
فهو الذي شاد بأركانكم   من بعد أن كنتم بلا ذكر
وهو الذي أطلع في ليلكم   من بعد يأس غرّة الفجر
يا عُصب الله ومَن حبهم   مخيّم ما عشت في صدري
ومن أرى «ودهم» وحدَه   «زادي» إذا وُسّدتُ في قبري
وهو الذي أعددته جُنتي   وعصمتي في ساعة الحشر
حتى إذا لم أكُ في نصرةٍ   من أحدٍ كان بكم نصري
بموقف ليس به سلعة   لتاجر أنفق من بِرّ
في كل يوم لكم سيدٌ   يُهدى مع النيب الى النحر
كم لكم من بعد «شمرٍ» مرى   دمائكم في الترب من شمر
ويح «ابن سعدٍ عمرٍ» إنه   باع رسول الله بالنزر
بغى عليه في بني بنته   واستلّ فيهم أنصل المكر
فهو وإن فاز بها عاجلاً   من حطب النار ولا يدري
متى أرى حقّكم عائداً   إليكم في السر والجهر ؟
حتى متى أُلوى بموعودكم   أمطل من عام الى شهر ؟
لولا هَناتٌ هنّ يلوينني   لبُحتُ بالمكتوم من سرّي
ولم أكن أقنع في نصركم   بنظم أبياتٍ من الشعر
فإن تجلت غمم ركّدٌ   تركنني وعراً على وعَر
رأيتموني والقنا شرّعٌ   أبذل فيهنّ لكم نحري
على مطا طِرفٍ خفيف الشوى   كأنه القِدح من الضُمرِ (2)
تخاله قد قدّ من صخرةٍ   أو جيبَ إذ جيبَ من الحضر (3)
أعطيكم نفسي ولا أرتضي   في نصركم بالبذل للوفر
وإن يدم ما نحن في أسره   فالله أولى فيه بالعذر

(1) العرّ: الجرب.

(2) المطا: الظهر، والطرف «بكسر الطاء»: الجواد من الخيل، والشوى: الاطراف والقدح: السهم، والضمر: الهزال.

(3) جيب وقدّ بمعنى واحد أي: قطع، ومنه قوله تعالى (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) والحضر: الحجارة.