طوفان نحرك

طوفانُ نحرِكَ كم تشظّى أبحُرا   فسقى عيونَ النجمِ حين تفجّرا
يخطو ، ويتبعُهُ الزمانُ .. تهالكتْ   سنواتُهُ جَرْياً ، وقد تعبَ السُرى
يخطو ، وكلُّ مرافئِ الأكوانِ في   ولَهٍ تَسابقُ .. وهو مرفأُها الذُرى !
تَعِبَتْ خُطى .. ووَنَتْ حِجا .. وخبَتْ رؤى   وظللتَ في علياكَ حُلْماً لا يُرى
لا يستطاعُ ولا يُدانى .. كلَّما   نضجتْ نُهى الأجيالِ ردّتْ قهقرى

* * *

طوفانُ نحرِكَ كم تمنّتْ وهْجَهُ   زُمَرُ الملائكِ ، لو تجيءُ فتطْهُرا
وتضمُّ أزهارُ الربيعِ أريجهُ   فإذا الشذا فيها نجيعُكَ مُزهِرا
وشقائقُ الوردِ استفاقتْ مرّةً   فيهِ مُسَبِّحةً ، ففاضتْ أحمرا
وعلى سواحلِهِ النوارسُ حُوَّماً   وحمائمُ الفلواتِ تشدو حُسَّرا
والنجمُ والقمرُ استنارا يسجدانِ ،   ويذرفانِ الضوءَ دمعاً أخضرا
صمتتْ شِفاهُ الكونِ ، لم تنبسْ .. وقدْ   فغِرَتْ لِكِبْرِكَ .. والوجودُ تحيَّرا
الكونُ أجمعُهُ يطوفُ بكعبةِ ال   نحرِ العظيمِ مُلبّياً ومُكبّرا
وعلى أثيرِ دِماكَ حاولَ مرَّةً   أن يُرتقى .. لكنْ كبا ، وتعثّرا

* * *

طوفانُ نحرِكَ شامخاً مترامياً   بعدَ الجهاتِ .. يُطِلُّ قُطْباً ، محورا
عَمَدٌ ؛ بهِ رُفِعَتْ سماءٌ لا تُرى   لا تستبينُ تخيُّلاً ، وتصوُّرا
أوَ هكذا الإنسانُ ؟!.. أمْ أنتَ الفريدُ ؟   أم العقيدةُ مَن تمثّلَها انبرى ؟
أ تكونُ أنتَ السرَّ لحظةَ آدمٍ   سوّاهُ ربُّكَ ، خرَّ يسجدُ مَن بَرا ؟؟

* * *

طوفانُ نحرِكَ بالأسى يعتادُني   فيهُزُّني ذرّاتِ وَجدٍ .. لا أُرى
أفنى بجائحةٍ العواطفِ ، عاصِفٌ   إيقادُها .. ويصيحُ فيَّ مُدَمِّرا
ويُعيدُ تشكيلي أثيراً نادراً   ويلَوّنُ الآفاقَ بي مُخضوضِرا
أندكُّ حُزْناً .. تستحيلُ قرارتي   أسرابَ أطيارٍ تسافرُ غبَّرا
تَبكيكَ ، مُعْوِلَةَ اللحونِ .. يُجيبُها   صوتُ المَفاوزِ والرُّبا مستعبِرا
وتظلُّ تائهةَ القرارِ غريبةً   ويزيدُها الشفقُ اليتيمُ تبعْثُرا

* * *

طوفانُ نحرِكَ لا يُطاوَلُ مَدُّهُ   يمتدُّ .. والأيامُ ، لاهثةً ، وَرا
تتسابقُ الأجيالُ في تيّارِهِ   دفْقاً يمورُ ، وموجةً لنْ تُقهرا
هُوَ موئلٌ للروحِ ، وادعةً .. ولكنْ   حينَ تُقهَرُ يستجيشُ بما اعترى
ويهدُّ أسوارَ الحُصونِ .. لِيرسُمَ   الألَقَ البهيَّ على الوجودِ ، ويَعْبُرا

* * *

طوفانُ نحرِكَ واحةٌ نُوْرِيّةٌ   لِسنائها المَلأُ المقدَّسُ قد سرى
هُوَ وحدَهُ إنْ قالَ قُِدّسَ أحرُفاً   أو صالَ يلثمُ وَقْعَهُ وجهُ الثرى
وعلى مَدارِ خُطاهُ أشرقَ نَقْعُهُ !!!   النقعُ يُشرِقُ ؟؟؟!! كيفَ لو قبَساً ورى ؟
إيقاعُهُ ؟؟ تتراقصُ النبضاتُ عِنْ   دَ وجيبِهِ .. وتُذيبُ فيهِ الأنهُرا
وُلِدتْ بيومِ الطَِفّ كلُّ الأنبياءِ ..   وكُتْبُهمْ بسوى دمٍ لن تُزبرا
ما كانَ إلاّ نزفُ نحْرِكَ يا حُسينُ   يخطُّها ... إذ ذاكَ آدمُ كبَّرا

* * *

طوفانُ نحرِكَ .. ها .. توقّفَ بُرهةً ‍!   عجَباً ! بهِ الملَكوتُ قد شدَّ العُرى !!
عجَباً توقّفَ !! .. إنَّ أُمَّكَ في العُلا   ها قد أطلّتْ ... يا لفاطمَ إذ تَرى
ما ذا تَرى ؟؟ سكنتْ هنا نظراتُها   وتلألأَ الدرُّ الوديعُ مُقطّرا
لا رأسَ .. إذ هو هامُ كُِلّ نُجومِها   لا كونَ إلاّ التمَّ عندَكَ مَنحَرا
أ بكى عليكَ اللهُ ؟؟!!.. هل دمَعاتُهُ   هذي النجومُ ؟؟.. أجيئُهُ مُستغفِرا !!

* * *

طوفانُ نحرِكَ في العراقِ .. سفائنٌ   قد أبحرَتْ فيهِ ، وفيها أبحَرا
مُذْ طَفِّهِ للآنَ ما ركعتْ لطاغيةٍ جباهٌ ..كنتَ تُذكي أنؤرا
ف ( بُريرُ ) يقفوهُ ( حبيبٌ ) و( ابنُ عوسجةٍ ) و( هانئُ ) و ابنُ .. كلَّهُمُ ترى
عادوا أُلوفَ أُلوفٍ انبَجَسوا جُن   ودَكَ ... والفراتُ مُهروِلاً مُتفجِّرا
وجثا لدَيكَ ، يُريدُ يرشفُ مِن شِفاهِكَ   رِيَّهُ ... فأنلْهُ منكَ الجوهرا
والنخلُ ؛ كلُّ الطلْعِ فيهِ حروفُكَ ال   قَمْراءُ تغذوهُ وثورتُكَ القِرى
حَبّاتُ هذا الرملِ مِرآةٌ لِوجْ   هِكَ ، والقبابُ تنفّستْكَ الكوثرا
فإذا الحسينُ هو العراقُ .. وشعبُهُ   قطَراتُ نزفِكَ ، مثلَ ما تجري جرى

* * *

طوفانُ نحرِكَ ذا صداهُ مُجلْجلاً   في القُدْسِ ، والإسراءُ منكَ تعطّرا
وهناكَ مُرتسِمٌ على الطرُقاتِ   والأيتامِ شيءٌ منكَ يُؤويْهم ضَرا
مَرَّتْ على لبنانَ إصبَعُكَ التي   قطعَ الطغاةُ ... فأبرقتْ .. إذ زمجرا
ونضا حُسامَكَ في الجنوبِ مُقاوِمٌ   فأعدْتَ فيهِ المُستحيلَ مُقدَّرا
والآنَ تُبرِقُ عندَ أقصانا فتش   تبكُ النصولُ ، وتُستعادُ بكَ القُرى
بُشرى لها ، لو ترتضيكَ طريقَها   فالنصرُ حالَفَها ... وإلاّ لن ترى

* * *


القسم الثاني / القصائد التي تتحدث عن الإمام الحسين كونه شاهداً شهيداً ، رمزاً ، ومنارا :

القصيدة الأُولى / نُظمت في دمشق 10/محرّم/1424 عدا المقطع الأول وأول بيت من المقطع الثاني فتاريخهما قبل سنتين