زين الخلود

أطيافُ نورِكَ أغفى عندَها الحُلُمُ   فأنتَ أكبرُ، حتى ما اجتلاكَ فَمُ
ما زلتَ سرَّ ابتسامِ الفجرِ .. ما انبلجتْ   شمسٌ إذا لم يكنْ أنتَ الضحى البَسِمُ
وبين كفّيكَ حامَ الوجدُ فاندهشتْ   بخافقي النبضاتُ البِيضُ والكَلِمُ
خُذِ انبهاريَ في علياكِ أُمنيةً   يتيمةً حاصرتْ إيماضَها الظُلَمُ
ولم يكنْ غيرُ حرفٍ منكَ مرفأَها   وأنتَ أنتَ بهِ الأمواجُ والهِمَمُ

* * *

يا سيّدَ النبضِ ؛ وَهّجْ نزفَهُ حَذِراً   مِنْ أن يذوبَ .. ففي عينيكَ ينعدمُ
أُقِلُّهُ .. وتحومُ الروحُ فائرةً   على جَناكَ ويُظميها الهوى العَرِمُ
في كُِلّ ومضةِ نجمٍ قطرةٌ رعشتْ   من خافقي ارتشفتْها وهو يضطرمُ
حتّى رأيتُ الدُجى قلبي .. يُلَوّنُهُ   بما يرشُّ .. وكلّ الزاهراتِ دمُ
كتبتُ أحرُفَكَ الخضراءَ باسمةً   على تَطلُّعِ روحي ، وهي تحتدمُ

* * *

مولى حنينيَ ، زينَ العابدينَ ؛ ألا   أسرِجْ دموعَ الهوى .. إذ فيكَ تنتظمُ
واملأْ بجَلْوتِها دُنيايَ مُحتضِناً   روحي التي بيدَيْكَ الغُِرّ تُرتَسمُ
ولُمَّني قسَماتٍ غيرَ واضحةٍ   أفنى تعابيرَها التهيامُ والألمُ
وامحُ انطفاءاتِ روحي ، واسكبِ النهَرَ ال   مَوّارَ مِن وجهِكَ الأسمى بما يَسِمُ
واغرسْ مباهجَكَ الريّا بخالقِها   في عُمقِها .. فلأنتَ الصفوُ والكرَمُ
واكشفْ عن الخاطرِ الحيرانِ ما صبغتْ   قوافلُ الغبَشِ الجاني .. أيا حُلُمُ
أموتُ فيكَ .. وأنتَ العيشُ رائقةٌ   أفياؤهُ .. والهوى الجبّارُ يلتطمُ
لهفي عليكَ وقد آذتْكَ عاديةٌ   مِمّن برائقِ إشراقِ الصباحِ عَمُوا
وكُنْ لعاصفِ أوجاعي بذكرِكُمُ   سواحلَ الأملِ النائي ستبتسمُ
خُذْ شهقتي لِفناءِ الصبحِ في مُقَلٍ   ذرفتَ مِنها انعتاقَ الأرضِ يا عَلَمُ
وخذْ فؤاديَ تحتَ القيدِ ، كي يَقِيَ ال   جِلْدَ الذي قد تداعى وهو مُنْفَرِمُ
وخذْ جفوني وطاءً بينَ جسمِكَ وال   نُوْقِ العجافِ ، فقدْ آذاكَ سيرُهُمُ
وخُذْ عروقي تُظلّلْكُمْ ، فهاجرةُ ال   قَيْظِ السَّمومِ وشمسُ النّارِ تضطرمُ
وامسحْ بروحي دموعَ الخوفِ هاميةً   على خدودِ اليتامى وهْي تُلْتَطَمُ
وانشرْ عليكُمْ فؤادي والعيونَ ، فذي   سياطُ أعدائِكُمْ تترى وقد هجمُوا
واسحقْ على رئتي ، رِجْلاكَ حافيةٌ   والرملُ جمْرٌ .. فلا تقرُبْ لهُ القدمُ
يا وجهَ أهلِ كساءِ النورِ أجمَعِهِمْ   وَحِّدْ دمي بِدِماهُمْ حيثُ أنتَ هُمُ

* * *

ناجيتُ عَلياكَ عُصفوراً يُغازِلُهُ   قلبُ السماواتِ ، حتّى غرّدَ النَغَمُ
أتيهُ فيكَ .. وتُضنيني بطولِ سُرىً   ولستُ أبلغُ شأواً ليسَ يُستَلَمُ
أفنى بتيهي .. وتسبيني لذاذتُهُ   وأكتوي في هيامي والمدى ضَرَمُ
فتحتويني .. أرى عينَيْكَ سابحةً   في عُمقِ ذاتي .. أراني كِدتُ أنهدمُ
حقّاً أُحِسُّكَ في روحي وفي رئتي   وأنتَ غايةُ ما لا يُدرِكُ الفَهِمُ
جَنَّنْتَ جامِحَ إحساسي وما نطقتْ   بَعْدُ القصيدةُ وهْي الجُرحُ أقْتَحِمُ
فتنكفي الأحرفُ الحرّى على شفتي   وفي المدى الصعبِ جرحي ليسَ يلتئمُ
هبني تجلّيكَ ، إنّ الصمتَ يخنقُني   وكلُّ ما شَيّدَ التخييلُ مُنْحَطِمُ
يا هامةَ الذِروةِ القمراءِ في رشَحِ الخ   لودِ يُمطِرُ أقصى الكونِ ما يَشِمُ
وحدي أُعاوِدُ من علياكَ خائبةً   قصيدتي ، وأساها ليسَ ينفَطِمُ
قدْ كنتُ آملُ لو يحدو إليكَ دمي   لكنّهُ ما ارتقى .. فاجتثّهُ النّدَمُ