يا حامل الكون في قلب

على تألُّقِ نَزْفِ السبطِ ، كم شخبا   حَرْفٌ تولّهَ فيهِ ، فاصطلى غضَبا ؟!
وكم على مَجْمَرِ الوجدِ الطهورِ غفتْ   روحُ القوافي ، ففزّتْ تنزفُ اللهبا !؟
وكيف لا ؟ ودموعُ الكونِ ما فَتئَتْ   ينهلُّ ياقوتُها المُحمَرُّ مُنسَكِبا
مُذْ أمْطرتْ عيْنُ خيرِ الخلْقِ أدمُعَها   على الحسينِ ، وبحرُ الدمعِ ما نضبا
حتى السماءُ ، وإنْ قد أبرقتْ ألَقاً   فإنما هيَ تبكيهِ ، وقد خُضِبا

* * *

يا كربلاءَ الأسى والجرحِ ؛ أحرُفنا   ناريةُ الحُبّ والشكوى .. فيا عجبا
إذْ فيكِ سالَ دمٌ حُرٌّ ، مُنَوَّرَةٌ   ذرّاتهُ بسناءِ اللهِ ، مُنْتَهَبا
لمّا رأى الناسَ صمُّوا عن هُداهُ ، عَمُوا   وماتَ فيهمْ ضميرٌ يشتكي العطَبا
وراعَهُ أنّ نهْجَ اللهِ قد هَجَروا   وأنَّ ما شيّدَ الإسلامُ صار هبا
آلى بأنْ يُرجعَ التاريخَ دورتهُ   وأنْ يعيدَ إلى القرآنِ ما غربا
فشدَّ أقدامهُ بالأرضِ ، واخترقتْ   هامٌ لهُ قبّةَ الجوزاءِ .. ثم ربا
أعادَ للفلَكِ الأعلى مسيرتنا   نحنُ الأُسارى بني التُرْبِ الذي غُصِبا
صِرْنا بهِ مِنْ بني النورِ البهيِّ ، وقدْ   شَدّتْ يدُ اللهِ أرضاً تشتكي الوصَبا
وعروةَ الأرضِ صارتْ كربلاءُ ، ومِنْ   فُراتِ نحريهِ ، يسقي العُشبَ والتُرَبا
رملُ الطفوفِ ، تشظّى الماءُ في يدِهِ   مُسائلاً عن حُسينٍ : آهِ هل شرِبا ؟
إني أنا الماءُ ، ظمآنٌ لِمَرْشَفِهِ   باللهِ فلْيَسقِني ثغراً لهُ ( خشبا )
إني أموتُ ظَماً .. يا ثغرَهُ اقتَرِبَنْ   بي يسعرُ الجدْبُ .. يا كفّيهِ لي اقترِبا
قدْ كنتُ ماءً أُرَوّي كُلَّ ذي عَطَشٍ   واليومَ أضحى حُسينٌ مائيَ العَذِبا

* * *

يا سيّدي ، يا حُسينَ المجدِ ؛ خُذْ بيدي   بل خُذْ يدَ القلبِ ، قد وافاكَ مُرتهِبا
قلبي أسيرُكَ ، أنى سِرْتَ مُتّبِعٌ   عينيكَ ، لا ليس يبغي عنهُما أرَبا
لكنْ أخافُ على حرفي يُقصّرُ عن   وصفِ ائتلاقِكَ يومَ الطَفّ مُغتَرِبا
الحرفُ يبكي ، ولا يرقى إليكَ رؤىً   ودونَ أدنى حدودِ الائتلاقِ كبا
وحيرةٌ ؛ أننا نرثيكَ .. صرختُنا   بقَدْرِنا ، لا بِقَدْرٍ منكَ قد قرُبا
أنتَ اتحدْتَ بأكوانِ الإلهِ ، وقد   آبتْ إليكَ .. ضَمَمْتَ الكونَ والشُهُبا
ونحنُ ذرّةُ وجْدٍ في قَصِيِّ مدى   جراحِكَ الخُضْرِ ، كيفَ الوصفُ لو طُلِبا ؟!
وا حسرتاهُ ، إذا ننعاكَ باهتةٌ   كُلُّ الحُروفِ ، وإنْ نَصْمُتْ نَمُتْ حَرَبا

* * *

يا حاملَ الكونِ في قلبٍ تَوَزَّعَهُ (ال   سهمُ المُثلَّثُ) ؛ ماجَ الشعرُ واضطربا
أعيى الأحاسيسَ والتصْيادَ جاحِمُهُ   ونحنُ فيكَ فرَاشٌ يعشقُ اللهَبا
ندري بأنا إذا جئناهُ يُحرِقنا   لكنما الوجدُ يُلْقينا عليهِ هبا
ما فازَ فائزُنا إلاّ بمَجْمَرِهِ   إذ عبَّ صهباءَ حُبٍّ فاصطلى ، و صبا
مولّهاً بكَ ، ذابتْ في حشاشتِهِ   رؤاكَ ، فانهلَّ شِعْرُ الروحِ ملتهبا
أنتَ الحسينُ ، أبوكَ المرتضى شرَفاً   وجدُّكَ المُصطفى ، أكرِمْ بهِمْ نسَبا
وأُمُّكَ البضعةُ الزهراءُ ، شافعةٌ   وشافعون ، فكونوا لليتيمِ أبا
نحنُ اليتامى ، وجئناكم على أملٍ   أنْ تقبلونا .. فَمُنُّوا سادتي النُجَبا