نبع البراءة
إلى أُفُقٍ دامي الجوانحِ تنظُرُ | وفي رِئَتَيْكَ الأُمنياتُ تكسَّرُ | |
وحولَكَ يا نبعَ البراءةِ صِبْيَةٌ | تطارِدُها نارُ الطفوفِ .. فتُذعَرُ | |
ربيعان رقّا عُمْرُكَ الوَرْدُ .. والأسى | يهيْمِنُ في عينَيْكَ كوناً يبَعثرُ | |
كأنك لم تَهْنأْ سوى حلمِ ليلةٍ | وفرَّ قبيلَ الصَحوِ فجرٌ معفَّرُ | |
وأنتَ على طولِ المدى خفقةٌ هوتْ | فشبّتْ على وجهِ الرمالِ تزمجرُ | |
وبينَ يديكَ الأُمهاتُ تهالكتْ | تضمُّ يتامى في العراءِ تفرفرُ | |
وتصمتُ ؛ لا هذا اللهاثُ يفلُّهُ | أُفولٌ ، ولا ذاك الصفاءُ يعَكّرُ | |
وليسَ على مَدّ التراب سوى دمٍ | تناثرَ ، وَهوَ الظامِئُ المُتسَعّرُ | |
ومزرعةٍ .. كانتْ رؤوسُ شُموسِكُمْ | قطافاً لها ... والأرذلونَ تنمَّروا |
* * *
تمرُّ بك الأيامُ داميةَ الخُطى | وتمضي الليالي الحالكاتُ .. فتكبرُ | |
وتبقى على الأهدابِ أطيافُ كربلا | تؤرّقكَ الليلَ الطويلَ ... فتسْهَرُ | |
وأنتَ على هَمْسِ المُناجاةِ لهفةٌ | تأججُ ، والأنداءُ بالوجدِ تنثرُ | |
تَعلّمتَ سِرَّ التوقِ في بهجةِ الصِبا | وعصرُكَ مذهولُ المَلامحِ مقفِرُ | |
على شاطِئَيْ نَحْرِ (الحسينِ) ، ودمعةٍ | لوالدِكَ (السجادِ) .. قد كُنتَ تبحِرُ | |
وهذا الزمانُ المِسْخُ ينسلُ أوجُهاً | بهيْمِيةً ، والمُلْكُ قنٌّ مؤمَّرُ | |
وأنتَ معينُ الحُبِ والخِصْبِ والهُدى | يفيضُ على الأرض المَواتِ فتزهِرُ |
* * *
شَققْتَ ثرىً قد كانَ أنهَكهُ الظَما | وأرهقهُ الليلُ البهيمُ المُكدَّرُ | |
وكنتَ أفانينَ الصباحِ طريّةً | براعمها ، والوردُ نورٌ مُعَطّرُ | |
ولَمْلَمْتَ إخفاقَ الزمانِ فأوّبَتْ | خطاهُ التي عَفّا عليها التصحُّرُ | |
مدَدتَ إلى الإنسانِ كفّاً نما بها | وَجيبُ فؤادٍ همُّهُ العَدلُ ينشرُ | |
وكانت عيونٌ ظامئاتٌ برِقها | إلى راحتيكَ النبعِ تهفو وتزفرُ | |
فلامَسْتَها وانهلَّ دهرٌ مُحبَّرُ | وأنعَشتَ آمالاً تكادُ تُدَمَّرُ | |
وحينَ أذاقتْكَ الطغاةُ سُمومها | سموتَ وفي عينيكَ كونٌ مُنَوَّرُ |
القصيدة العاشرة / في حق الإمام الباقر عليه السلام الذي رأى أول طفولته كل أهوال كربلاء