عباس يا أحلى ابتسامة حيدر

ظَمَئي يَجيئُك نوْرَساً مَحسودا   قد هامَ فيكَ جوىً .. أنِلْهُ وُرودا
مُتَفتِتاً عَطَشاً .. وغيثُكَ مُنْيَةٌ   مخبوءةٌ تهَبُ الوجودَ وُجودا
مِنْ بينِ كفّيكَ السحائبُ ترتوي   فيُعادُ تَشْكيلُ الغمامِ رعودا
قد طبّقَ الآفاقَ يَهدرُ بالتُقى   نغماً يُرَدِدُ ذِكْرَكَ المحمودا

* * *

أ أبا الظِماءِ ، أبا المياهِ ؛ تجمّعتْ   في مَحشَرٍ مِنْ راحتَيْكَ حُشودا
بِيَدٍ يَلوذُ الظامئونَ ، وفي يدٍ   الماءُ جاءكَ ظامئاً لِتَجُودا
فَلِذا وَهبْتَ يَمينَ جُودكَ لِلأُلى   ظَمِئوا .. وللماءِ اليَسارَ خلودا

* * *

أ أبا الضياءِ ، أبا الحياةِ ؛ تكوكبتْ   في طَلْعةٍ منكَ المفاخِرُ خُودا
كم غازلتْ ( قمَرَ العشيرةِ ) قد زها   ألَقُ البهاءِ بوجهِهِ ، لِيَسودا
ودَنتْ إليكَ المَكرُماتُ يتيمةً   تستافُ نبعَكَ زمزماً مفقودا
فإذا ب(عبّاسِ بنِ نفسِ محمّدٍ )   أُفقاً أطلَّ .. فعانقتكَ سُجودا

* * *

مِنْ مُقلتَيْكَ الفجرُ ينسلُ ضوءَهُ   بالطَّلّ مُغتسِلاً ، يشفُّ سعيدا
عيناكَ مرآتانِ ؛ شمسُ حُسَينِكَ   انهَمَرتْ أشعَتُها ، (انفَجَرْتَ) عَمُودا
نَرْجَسْتَ حتى همسةَ الضوءِ احتفتْ   جُملاً على شفتيكَ صِرْنَ نشيدا
إنْ تَنْبَجِسْ شفتاكَ تحتارُ الحروفُ ؛   تطيعُ لفظَكَ ؟ أم تظلُّ شهودا ؟
فإذا نطقتَ تَخلّدَتْ كلماتِ نورٍ ..   أو سَكتَّ بكَ انتشتْ تحميدا
وتشكّلتْ والعلقميَّ كلوحةٍ   مَدَّ السماءِ تَوَهجتْ ترديدا :
واللهِ إنْ قطعوا يميني إنني   أبقى عن الدينِ المحاميَ جودا
وعن الإمامِ السبطِ أدفعُ كيدَهمْ   فبدونِهِ إسلامنا ما شِيْدا
وملَكتَ ماءَ النهرِ يَسْبَحُ في يديكَ   قد ارتوى ، ورأيتَهُ مورودا
لكن همستَ لنفسِكَ العلياءِ : هوني ..   فالحسينُ عن المَعينِ أُذيدا
مِن بعدِهِ لا كُنتِ ، أو مَجْدَاً تكوني   إنْ أُزَفَّ براحتيهِ شهيدا
الماءُ هذا الماءُ يذبلُ ! ينمحي !!   دونَ الحسينِ .. فأطعميهِ زُنودا
إن ماتَ هذا الماءُ مِنْ سغبٍ ، سيظمأُ   كلُّ جيلٍ يُستبى موءودا
هذي يدي اليمنى ، وتلكَ يَسارُها   أُهديهِما للناس فوداً ، فودا
إذ ذاكَ خافَ الموتُ موتَكَ شاهداً   مُستَشهَداً ، مُتشهّداً مشهودا

* * *

الأرضُ كلُّ الأرضِ ، ها قد جُمّعتْ   في الطفّ تنتظرُ المدارَ جديدا
وحسينُهُ قطبُ الوجودِ ، لِواؤهُ   وحُسامُهُ بيدَيْكَ .. صُلْتَ فريدا
وركزتَ رايتَهُ على هامِ السُهى   وحَطَمْتَ بالسيفِ الجيوشَ حصيدا
ها قد صحَتْ عَزَماتُ حيدرَ ، عِرقُها   نبضٌ بجبهتِكَ استحرَّ وريدا
وتألّقتْ ( أُمُّ البنينَ ) بغُرّةٍ   لكَ أشرقتْ ، تتلو الإباءَ نشيدا
وسللْتَ عزماً من شيوخِ بطاحِها   وحفِظتَ للحسنينِ منكَ عُهُودا
ومضيتَ .. قرآنُ الإلهِ تلألأتْ   آياتهُ الحسنى بجِيدِكَ جيدا
وعلى رفيفِ تُقاكَ سِرْبُ ملائكٍ   متوضّئٌ بدِماكَ ، سارَ وئيدا
الأرضُ مُختَصَرُ السماءِ ، وأنتَ مَنْ   بنزيفِهِ غسَلَ الحسينُ البيدا

* * *

أ أبا الفضائلِ كُلّها ، والفضلُ   واحدُها ؛ أتتكَ الأنبياءُ شهودا
هذا حسينٌ ، وهْوَ وارثُ آدمٍ   نوحٍ ، وإبراهيمَ .. قامَ عميدا
قد فَتَّ ساعِدَهُ ، وأحنى ظهرَهُ   موتٌ يَهابُكَ ، قد مشى مهدودا
يخطو الحسينُ مُكفْكِفاً دمعاً سقى   ضوءَ الشموسِ لتستمدَّ وَقودا
يبكيكَ حرّانَ الفؤادِ ، توكّأتْ   نبَضاتُهُ بالمستحيلِ صُمودا
يدري بزينبَ في الخيامِ ، سَكينةٌ   بإزائها ، نادتكُما لتعودا
لا بدَّ أن تأتي ... رُقيّةُ لم تعُدْ   تقوى على حتى البكاءِ همودا
عينُ الطفولةِ كلّها مشبوحةٌ   ليديكَ تحملُ للظِماءِ الجودا
أ أخاهُ ، ها قد عادَ دونَكَ مُفرَداً   ماذا يقولُ لَهنَّ عنكَ فقيدا ؟!
أ يقولُ : أزمعَ رحلةً لا تنتهي   في الخلْدِ تارِككُمْ ؟ وكُنتَ وَدودا
لو كنتَ أنتَ مكانَهُ ماذا تقولُ   وزينبٌ صاحتْ : إلينا عودا ؟؟
أمْ يا تُرى حسْبُ الدموعِ تكلُّماً   وعليٌّ السجادُ ناحَ بعيدا
لو كُنتَ ، لكنْ لن تكونَ ، ووحدَهُ   جاءَ الخيامَ فلا تكُ المفقودا !!

* * *

الوردُ يبحثُ عنكَ ، هامَ لوجههِ   وأريجهُ باكٍ ، يفِرُّ شريدا
والشعرُ يفقدُ أبجديتَهُ ، وقد   خَرسَتْ قوافٍ كم شدتْ تمجيدا
والماءُ لا يدري ، يهرولُ ذاهلاً   لِيديكَ يلثمُها .. وخرَّ فقيدا !!
الآنَ .. حيثُ الآنُ سِرْبُ دقائقٍ   مسلوبةٍ زمناً ، تغذُّ صعودا
ومنارتانِ هُما يداكَ ، توثّقتْ   بهِما المجرّةُ ، لا تُطيقُ ركودا
أمسِكْ يدَ الأفلاكِ ، لولا أنها   بيديكَ ، مادتْ ، أو تعودَ بديدا
والْمسْ أسى الإنسانِ رامتْ قَتْلَهُ   غَدْراً خناجرُ مَنْ أطاعَ يزيدا
عباسُ ، يا أحلى ابتسامةِ حيدرٍ ؛   ألِفَتْ مريضاتُ النفوسِ جُحودا
فأعِدْ إلى أرضِ الضميرِ ترابها   واغرِسْ بها حُبّاً يدومُ عهودا
الحبُّ كلُّ الحبِ أنتمْ أهلُهُ   فاسْتَنْبِتُوهُ في القلوبِ ورودا
وسلامُ ربكَ والملائكِ والأُلى   طَهُروا وطابوا لا يزال حميدا
والزاكياتُ الطيّباتُ غدُوَّها   ورَواحَها لَعليكَ ، طِبتَ شهيدا

القصيدة السابعة / في قمر بني هاشم أبي الفضل العباس عليه السلام